بسم الله
والحمد لله وكفى ، حمد من قالها ما وفّى ولا اكتفى، وصلاةٌ سلام على سيد ولد آدم الحبيب المصطفى
أما بعد،
أيها الأكارم
فإن من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده إنزال هذا الكتاب الكريم، كتاب الهداية، والراحة، كتاب الطمأنينة، والسعادة، كتاب النصر والتوفيق، كتاب التسلية والترويح، كلام ربي كلام ربي، خرج من الله، وإليه يعود
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)
وشهر رمضان يا عباد الله هو شهر القرآن، بل هو شهر الكتب السماوية كلها، ففضل هذا الشهر بإنزال كلام الله فيه
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )
(إنا أنزلناه في ليلة القدر )
ولهذا كان السلف الصالح إذا جاء رمضان تركوا الاشتغال بغير القرآن، وأقبلوا على القرآن، قراءة، وتدبرا وعملا، لما لقراءته في هذا الشهر الكريم من المزية العظيمة، والأجر المضاعف.
في سنن الترمذي عن مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ قَال سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ).
فلقد كان من مضى يرون في القران رسائل من ربهم اليهم
يتدبرون بها ليلا ويعملون بها نهارا
وهم على ذلك في وحدة العادة
جاء القران ليوحد الناس مسلمين ويجمع القلوب
"اقرأوا القران ما اجتمعت عليه قلوبكم"
لم يكن اهتمامهم بالقراءات الا بعد زمن مضى هو غيرما عصر العدول من الصحابة.. لم يكن اهتمامهم بالترتيل ولو انه فضل ومطلوب كاهتمامهم بالمعنى والتفسير والواقع العملي لما يقرأون..فان جاء معنى الظهار وحمه سددت واقعا اعمال كل من سمعوا المعنى، ان جاء الحكم عملوا به بعد أن سألوا عنه وفهموه.
وعن الرسول صلى الله عليه وسلم:
"اقرأوا القران ولا تغرنكم هذه الصحف المعلقه".
نحن نتلو القرآن ونتغنى به ونقره وننتمي اليه .. لكن .. اقول لمن يفكر ان ينتحر، لمن يشكو امراضا كالاكتئاب ، لمن يستمهن نفسه، لمن يتعامل ضد اهله ودينه، لمن يعيش ولا يدري لم ويسأل حتام !، لمن يستحي ان يتعلم ويخطيء فيصر على الجهل، لمن يفكر بشكل حاد موجه مطوع، لمن هو محصور الافق، لكل من لم يسأل نفسه ولو مرة ..ماذا اريد من حياتي ، ماذا يفوتني، ماذا اقدر ان افعل ، من انا ، كيف أنا .. لمن لم يسأل نفسه كل الأسئلة الوجودية او كان للاجابات كالببغاء المقلد.. لهؤلاء سؤال ..:
اين الانبعاث بالقران
اين العمل به حين ترددونه وتتكلمون عنه ، اين مساعدة الغير، اين الترشيد ، اين التكاتف، اين الجماعه، اين الاكتراث للاخر
اين تحويل المواد الى حياة.. والروحانيات الى مضخة لتدفق اعمالكم ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى اخاك بوجه طلق، ولو ان ترشد طفلا او رجلا الى مكان يقصده، ولو ان تستمع لمريض ينفس عن وجعه، ولو ان ترد ايميلا لسائل مهتم!!!
اين رد الكسل الى نشاط فاعل.. هناك تاثير وهناك فاعليه.. هناك كيف وهناك كم ،هناك صور وخطابات وهناك افعال من اقلها حتى اكبرها من باديها حتى خافيها..
واين تحويل الجهل الى نور وحركة متواصله ملموسه على الساحة العملية
انني قررت ان افهم القرآن فحتى ايامي هاته لا املك لنفسي ان تظن انها تعمل به حقا كمسلمة هذا كتاب ربها اليها..
مدنية خير امة اخرجت للناس كان اساسها القران
مدنية اجدت في العالم كله واثرت في الحضارا
ولو تلونا كتاب الله انه سيذكرنا عنده ..اي شرف هذا.. وتبحثون لكم عن ذكر بين الناس! ومركز!
لا تكن كالبيت الخرب بجوفك، ان البيت الخرب هش مع انه قائم،هيئته غامضة ولن تعرف انه خرب حتى تدخل اليه فتجده خاويا ً من الانسان !.. خاويا من حركة ، فيه كثير من الجامدات القيمية والافكار ..
انني اعلم وصرت اعلم اكثر مع الزمن ومع العلوم التنموية .. انه
لن تغني كل العلوم والايديلوجيات عن القرآن
لانه يهدي للتي هي أقوم ..
كيف ترضى أن تتلو كتاب الله يا جامعي يا كهل يا معلم يا اخت يا داعية ...وانت لا تفهمه في يومياتك التطبيقية !
نخر على القرآن صما ً وعميا ونصر على النصوص ونوجد ما نتناحر عليه.. ثم لا احد فاعل فعال ..في الحقيقة..نحلق في خيال ما لم نعمل لكي يكون اطارا لما نتمنى تطبيقه من النصوص.. ثم نكبت ونحاجج ونجافي من يعارضنا في اسلوب او هيئة ونحن لا نتقن ولم نمنهج ذاتنا لتعمل على تمكين الفكرة المستمدة من القرآن.. ندافع عنها بمخالب الفرقة والانشقاقات والمذهبيه والتطرف .. ونحن نكذب على انفسنا وعليهم لاننا لو اردنا ان تقام وقنعنا بها لوجدنا طريقا اليها اقلها ..
نهين المرأة امام الناس باسم القران، نحطم الضعيف باسم النص ، نهزأ بالناس باسم رب الناس.. نظلم في ظنوننا وافعالنا باسم اهل القرآن..
لم تعد الآيات تشحن عقولنا وتمرن عواطفنا ومشاعرنا واحاسيسنا
بعد ان فسدت حتى ذائقة الامة ولغتها العربية، والوان الأدب والفصاحة البيانية، بل لا احد مستعد ليقرأ موضوعا يتطرق اليها،
تحفل المنتديات بالكلام عن الحب والعشق ويحبون لك الشعر والحزن والفضفضات
ولا قاريء لمواضيع عن سر السماء .. القرآن الا من رحم ربي ..ولعله لا يقرأه بتمامه حتى..
لم نعد عربا ً حتى لسانا ً.. والعتب على الجميع.. لقد امضينا الكثير من حياتنا في الهراء
في السخافات ، المرناة، الدورات ، الشاتينج،المظاهر، المخادعه والكذب على النفس، الزيارات والمخالطة المستفيضه
حتى جهلنا لغتنا
صرنا نرد على الفصيح كلامه بأنه مفلسف مفزلق! لا نفهمه!
ونحاجج بالقرآن .. ونستحي به بتصرفاتنا مع اهل الكتاب والكفار، نتشبه بهم، نخفي هويتنا لنسلم ، نبتعد عنهم ونخاف منهم ونخاف ان نعرف لغتهم ونعطيهم تعامل الذليل امام مستعلي.. بدل ان نقف فخورين بما نحن.. اهل قرآن..
وبل نظهر قراننا بشكل من يجدر ان يدافع احدهم عنه امام الكافر!
من الظلم ان يوضع القرآن في سياق ديانات أخرى مشوبة بافكار البشر وسوانحهم والتماعاتهم
يا ايها العالم..كله .. بل انتم اجدى ان تروا ما لدينا ..انتم من اتيتم من كل اقطاب العالم الى مكة لتروا وتشعروا بوجودية وحقيقة رسالة رب العالمين اليكم لا رسالتنا نحن.. انها رسالة من الله اليكم .. يا ايها الكفار والمشركون والاجانب والفساق والمنافقون والمسلمون ايضا على الهوية ،يا عرب ويا عجم.."...قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين .."
"فاتبعوه لعلكم ترحمون "
ويا عربي .. يا قحطاني.. يا ايها الذي يهاب القرآن.. ويشعر انه جاهل ولا يعمل شيئا حيال ذلك ..
كيف تقرأ القرآن هكذا رصا للحروف، وانت تظنه طلاسم تحتاج ذكاء منقطع النظير تفوق امكاناتك لتفهمه
بل هو ايات بينات في صدور من اوتي العلم وتدبره بدأب في اصابيحهم وأماسيّهم
اسرح قف تأمل فكر استشعر ، اعد القراءة قف عند نهاية الاية او الجملة او الفكرة.. تأنى.. بمقدورك ان تفهم وتفكر..والا فاسع للتعلم،هناك كتب وعلوم قرآنية شتى.. اصلها تفكر وتلقي واستنباط وتأمل
"..ام على قلوب اقفالها.." !
( " نعم السمير كتاب الله إن له حلاوة هي أحلى من جنيك الضرب
به فنون المعاني قد جمعن فما تفتر من عجب إلا إلى عجب
أمر ونهي وأمثال وموعظة وحكمة أودعت في أفصح الكتب
لطائف يجتليها كل ذي بصر وروضة يجتنيها كل ذي أدب" )
هذا الكتاب اوسع من كل علم وفكر انساني او افق بشري محدود، كل نطاق مهما وسع هو اضيق منه مقيسا به
لكننا انما نملأ وعاءنا .. فلتسل اوديتنا منه بقدر .. ما قدرنا ان نستقي منه ونجري به..لاننا مهما حاولنا لن نرتوي تماما..
انه كتاب غض طري متواتر حرفا حرفا ً، لو لم يكتب في صحف اصلا لم يكن ذلك لينقص فيه فهو القران يقرأ حفظا في الصدور اولا قبل كل شيء
كتاب يقظان ، لا يغسله الماء.. انه ليس بعبرة الحبر والكتابة .. انه بما وقر في الصدور منه .. انه بما بقي والزم وجمع عليه
هذا الكتاب يحتاج ذهنا متفتحة ونفس زاكية طهور بريئة من الغرض، والغرب والاحكام المسيقة والدوران مع المصالح والموازين ما قبل القرآنية
يحتاج اناسا فخورين عندهم عزة وقوة ليظهروه ويروا للعالم اجمع اجمل الطروحات والمعاني والغذاء الروحي يستمد منه ويوضع على طاولة العلم والعمل ..
.. وانه لقسم لو تعلمون عظيم ..
سمعها اعرابي بلا شهادة ولا لقب فأغشي عليه .. "ما الذي حمل رب العالمين على أن يقسم"
قسم
بمواقع النجوم!..لم يكن يعرفها آنذاك بشري حين نزل!؟
ما علاقة النجوم بمواقعها البعيده !
انه قسم فسيح يشير الى فساحة هذا الكتاب..
فعبّوا وانهلوا واستزيدوا ..
أولم تروا قسما ً آخر ..
الخنس
الجوار الكنس
الصبح إذا تنفس
:
إنه لقول رسول كريم
أنزله عالم سر السموات والأرض
نذير..
(تبارك الذي انزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)
وهو عالم فسيح في ذاته هذا القرآن..أمر ونهي وأمثال وموعظة وحكمة وقصص ومفردات وبيان وعلوم
من أعجزه أمر فليتل القرآن بيقين
لابد أن يكون إيمانك بالقرآن تجربة فردية لها ميزتها وفرادتها
، هو إيمانك أنت، ليس إيمانا ًترديديا ً او ترجيعيا ً
دع القرآن يخاطبك .. يكلمك الله
لابد أن تعيشه أنت بتجربتك بتباريحك الروحية الوجودية بلا تقليد
حينئذ ستصل للرقي بلا داع لنظم كلام ولا حجج علمية ولا بيانية ولا سجال علمي فلسفي
من ثماره تعرفه هذا الكتاب..
فلنصل للثمار على الأرض والواقع، لنعرفه ويعرفه غيرنا فينا
بشجاعتنا في الانتماء اليه والرغبة في فهمه
إسأل نفسك كل يوم ..مع تنفس الصبح :
هل قطفت الثمار.! هل اصبحتها ؟
(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)
يا قاريء القرآن ، قلب النظر فيما حولك، فيما ظهر وبطن في الآيات، تفكر ، فكر في التاريخ وما سبق وما حضر
بمزاج وروحية عالم متفكر
والقرآن عجب في هذا المضمار في الغيب والشهادة وعن عوالم من الانس والجن والملك والحور العين ويخصب خيالنا
ويبني فكرنا ويحدثنا عن الشرائع والاحكام والقيم والاخلاق والمسالك وعبرة التاريخ ودورة الايام
(لو أنزلنا هذا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون)
سيقشعر الجلد وتنحني القلوب وانت تتلو.. لن تتلو بأريحية بالغة ولا ابتذال
ستبكي
ستخشع حقا ً صدقا ً
..لا تكتف بإقامة الحروف وانت تفتقد للمعاني ..
إنما الموقن بصدق التجربة
واذا اردت ان تعرف ذاتك
إعرض نفسك على كتاب الله ، فقد يخطيء الناس فيك وقد يسيء قدرك وفهمك شيخ عالم وتقي
.. لا تخدع ذاتك ..اعرف نفسك في آياته
قال صلى الله عليه وسلم : " من قرأ القرآن ثم رأى أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظمه الله تعالى "
وقال " ابن مسعود " : " إذا أردتم العلم فانثروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين " .
وقال " عمرو بن العاص " : " من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه " .
وقد جاء في ذم تلاوة الغافلين قوله صلى الله عليه وسلم :
" ما آمن بالقرآن من استحل محارمه " .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ القرآن ما نهاك فإن لم ينهك فلست تقرؤه " .
اللهم اجعـل القــرآن العظــيم ربــيع قـلوبــنا
وجـلاء هـمـومنا وغمومنا ونـور أبصارنــا
وهـــدايـتــنــا فــي الــدنــــيـــا والآخــــرة
اللـهم ذكرنـا مـنـه ما نَسيـنا وعلمنا منه ما جهـلنا
اللهم ارزقنا تلاوته وفهمه على الوجه الذي يرضيك عنا
ويسر لنا ذلك..
آنــــــاء الـــلـــــيل وأطـــــراف الــنـــــهــار
0 תגובות:
إرسال تعليق
للتعليق من هنا